الموسوعة الخبرية الاولى في العراق تأسست عام 2000 م

الكاظمي الورقة الثالثة
أضيف بواسـطة
النـص : الكاظمي الورقة الثالثة بقلم د.ماجد السامرائي ما يحصل من تراجع محدود عند الأحزاب الشيعية الحاكمة في مواصفات منصب رئيس الوزراء العراقي جاء بفعل انتفاضة أكتوبر 2019 وضغوطها المخضّبة بدماء شهدائها. الأحزاب التي كانت تقدم الرجل الأول أو الثاني من بين قياداتها تراجعت اليوم ولكن بحذر ومكر فقبلت بترشيح الرئيس العراقي برهم صالح لمصطفى الكاظمي بعد إخفاق كل من محمد علاوي بسبب عدم الإجماع المكوناتي وعدنان الزرفي بسبب عدم الإجماع الشيعي، ليصبح المرشح من خارج منظوماتها التنظيمية الشيعية. السيرة الذاتية للكاظمي لا تشير إلى ارتباطه التنظيمي بتلك الأحزاب رغم اندماجه بتوجهات سلطة الحكم كمعارض سابق لنظام صدام حسين. قد يكون صحيحا وصف خيار برهم صالح بلعبة الورقات الثلاث في “البوكر” في تعاطيه مع الحيتان الكبيرة وزعانفها الإيرانية التي وصلت درجة التهديد العلني باستهداف حياته أو إشعال العراق إذا ما تم ترشيح الكاظمي. فقدم لهم الطُعُم الكبير علاوي والزرفي، ليقبلوا بخياره الأول الكاظمي. برهم صالح من القلائل في العراق الذين يتقنون لعبة السياسة لكونه من خارج متعاطي الإسلام السياسي، هو ككردي وقلّة من العرب الليبراليين من معارضي نظام صدام حسين الذين قدمتهم الولايات المتحدة عام 2003 كشركاء للشيعة في حكم المحاصصة الطائفية والفساد. والكاظمي من الخط الثاني لليبراليين المتحالفين مع الإسلام الشيعي. برهم صالح ليس حرا طليقا في ملف اختيار رئيس الوزراء. قادة الأحزاب أشعروه خلال الأسابيع الماضية بأنه في وظيفته الرئاسية يكلّف من يختارونه هم وليس هو. كما أنه محاط بنفوذين هائلين الإيراني والأميركي. وليس بعيدا عن تنفيذ رغباتهما بتوازن قد يفقده في بعض الأحيان بالميل إلى الإيراني مرة والأميركي مرة أخرى. لكن مستجدات الظروف الداخلية لهذين النفوذين منحته فرصة لتمرير هذا الخيار الثالث الذي له مواصفات لا نريد نسج الأحلام الكبيرة حولها في ظل الظروف الحالية، ففي مناخ العراق في كل يوم تتغير ألوان الوجوه والأمزجة. رغم النكسة وحالة التشظي التي تعيشها قبلت الأحزاب الشيعية، تحت ظل نصائح إيرانية مستجدة طلبت منها تحسس المخاطر والتعبير عن تفاهمات الحدّ الأدنى للحفاظ على النظام السياسي القائم، تجرع “الكأس المرّ” باختيار رئيس وزراء من خارجها لكنه منفذ لرغباتها الأساسية في ظل حالة التداعي والتدهور الصحي والاقتصادي. المطلوب من الكاظمي شيعيا عدم تعريض زعامات الفساد التابعة لهذه الأحزاب لمخاطر المساءلة والمتابعة القضائية. وقد ينفذ الكاظمي هذه الرغبة خصوصا وأن فترته محدودة. لكنه أمام امتحان إيقاف مسلسل النهب في بيع عملة الدولار في البنك المركزي والتي رغم الكارثة الحالية ما زالت مستمرة، إضافة إلى قدرته على إزاحة هيمنة الميليشيات وأحزابها على الموانئ ومنافذ الحدود العراقية الموزعة بينها مع أنها شبه متوقفة حاليا. أما الميليشيات المنفذة لمخطط طهران في معركتها مع التواجد العسكري الأميركي والتي سبق لها اِتّهام الكاظمي بمسؤوليته عن تصفية زعيمها الأول الإيراني قاسم سليماني والثاني العراقي أبومهدي المهندس فيتوقع لها أن تهادنه حاليا وفق تعليمات أولياء أمورهم، فيما سيظل ملف السلاح خارج الدولة شعارا لن يجد طريقه للتنفيذ في الأيام المقبلة. من أجل عبور الأزمة الكبيرة ووضع الأحزاب الشيعية المتدهور قد تقبل بالتعاطي المرن في محاصصاتها الوزارية دون الإضرار بالمصالح الحالية وعدم السماح بشخصيات تدخل الحكومة قد تؤدي إلى تضرر تلك المصالح القائمة. بالنسبة إلى سنة إيران وسنة العملية السياسية، ما يهمهم هو بقاء هذا النظام الذي وفرّ لهم، دون جمهورهم المقموع، مصالحهم بدرجاتها الدنيا، فهم الجزء الضعيف المفكك الذي لا ينحاز إلى مبادئ الجمهور التي يعتبرونها بضاعة انتهى زمانها ولهذا حاولوا الاستفادة بشكل انتهازي من تشظي الأحزاب الشيعية في الأيام السابقة. ما يهم الأكراد بقاء مصالحهم وعدم تعريضها للمخاطر في أية حكومة ببغداد. هم من أكثر المدافعين عن بقاء النظام السياسي القائم، كان عادل عبدالمهدي من أكثر رؤساء الوزراء وفاء لهم وحفاظا على مصالحهم، وسيكون كذلك مصطفى الكاظمي إن حافظ على تلك المصالح التي قد تساعد على استمرارها العلاقة الشخصية للكردي رئيس الجمهورية برهم صالح برئيس الوزراء المقبل الكاظمي. تأثرت معادلة الانتفاضة والحراك الشعبي سلبا بسبب الظروف الصحية والاقتصادية المستجدة التي حدّت من مستوى ضغوطها مما سيمنح الطبقة السياسية الحاكمة متنفسا للقضاء على هذه الثورة في المرحلة المقبلة. وهذا ما يضع الحراك أمام مسؤولية التعاطي العملي الحذر مع حكومة الكاظمي دون الإخلال بشعارات “نريد وطنا” ومن بينها عدم إعلان رفضه لأنه سيمرر بسهولة في البرلمان، والاستفادة التكتيكية من مواصفاته في دعم نشطاء الحراك ومطالبته العاجلة بمحاسبة قتلة إخوانهم وأخواتهم، والتقيّد ببرنامج الانتخابات المبكرّة.
تاريخ الإضافـة 10/04/2020 - 21:09