الموسوعة الخبرية الاولى في العراق تأسست عام 2000 م

لم يكن صديقي
أضيف بواسـطة
النـص : هواء صاف ممتزجاً مع قطرات المطر.. اوراق الشجر تتمايل مع تلك القطرات.. قطع شرودي دقات ساعة معلنة اتمامها العاشرة صباحاً.. ودعت قدماي الشرفة المطلة على برج باريس ذي الانغام الهادئة.. طوقت يدي بساعتي السوداء المتدرج لونها مع ثوبي الرمادي الداكن.. عملت فنجانا من القهوة، مستمعة لاحدى قصائد الشاعر محمود درويش، أغمضت عيني مستذكرة.. اللقاء الاخير الذي مضى عليه ثمانية عشر عاماً، حينها كنت قد اكملت الرابعة والعشرين ربيعاً، اغرد كعصفورة في زورقٍ نهر دجلة المار بالقرب من شارع المتنبي رفقة الاصدقاء لشراء بعض من الكتبِ الثقافية.. ساقي بدأت بالالتواء بسبب الصخور المتناثرة هنا وهناك، احدهم بدأ بالصراخ عليَّ محذراً ان لا اسقط ارضاً، صرخة ذلك الرجل لم تفارقني يوماً اذ تحمل الكثير من الاهتمام والخوف، ظننت بادئ الامر انه احد الاصدقاء، عند رؤيتي لبريق عينيه الجميلتين، ايقنت بأنه لم يكن صديقي. . تَوَقَفَتْ بعدها ذاكرتي لتنبيهي ان الباب الامامي يدق دقاتٍ، تساءلت وبهدوء عن هوية الطارق ليأتي الرد من قبل السائق قائلاً: انه على استعداد لايصالي الى المطار، أومأت بالموافقة، عدت بأدراجي لاجلب حقيبتي الصفراء المحملة بثيابي غامقة اللون، اطفأت نور الكهرباء بأناملي المرتعشة، اقفلت الابواب بمفتاحي الزهري كَـلون وجنتاي.. مرت اربع وعشرون ساعة، لم اشعر بها لشوقي الكبير لذلك الرجل صاحب الصرخة العالية.. في حقيقة الامر لن اطيل اكثر لكون الجزء المهم قد اتى على جناح طير زاجل مرفرفاً في السماء، حاملاً معه اخباراً مشوقة وكأنني انتظر ذلك اللقاء مرة اخرى.. ارتديت اجمل الثياب وتعطرت برائحة زهور الكاردينيا، وانتعلت حذاءً يدق في الارض كدقات الجرس عند اعلان خبر ما للبلدة، أعلنت بطرقاتي عن وصولي الى ذلك المكان المحدد، استدار اصدقائي مرحبين بي بعد غياب طويل، لم اعر لهم اي اهتمام، سوى ان عيناي كانتا تبحثان عن الرجل صاحب الصرخة المدوية، شعرت باليأس والحزن عند تفقدي اياه، لكوني لم اجد ما ابحث عنه عند تلك الجلسة، و ما هي الا دقائق معدودة،  اذناي اطربتا بالرقص على اوتار الموسيقى مرحبة بسماع صوت صاحب تلك العينين المتلألئتين عند سماعها صوتهِ العذب.. ما اثار دهشتي ان الاخير لم تتغير نظرات عينيه لي التي تحمل الخوف ذاته ، فلازالت كما هي كما كانت قبل ثمانية عشر عاماً أبتسمتُ تقدمت لارحب به، طلبت منه تعديل ربطة عنقهِ، أجابني قائلاً: مجنونتي اتعلمين انني محظوظ بكِ كوننا نحمل الدم ذاته من ابوينا، احسد نفسي بالفعل كوني اخاك الصغير المدلل، و هل تعلمين انني كبرت ولكنك ما زلت صغيرة تتفوقين عليَّ بستِ سنوات.. اشرقت ابتسامتي من جديد وأخذت عينانا تنظران الى النافذة لتودعان الشمس، ونعلن استقبالنا لذلك الليل الطويل لِأدَوِنَ فيهِ احدى الروايات الكلاسيكية التي يقراءها الكتّاب والقصاصين.. انتهى الليل وازهر الشيب في شعري مرة اخرى أغلقت روايتي مختتمة اياها بعنوان “نهايتي السعيدة مع ظلي الأخضر“. *سالي خليل
تاريخ الإضافـة 30/12/2018 - 15:44